د. كمال قبعة
عضو المجلس الوطني الفلسطيني- وعضو لجنته القانونية
عضو المجلس الوطني ولجنته القانونية، وعضو لجنة اعداد دستور دولة فلسطين
مع اقتراب إسرائيل من تنفيذ مشروع ضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية، تُطرح الكثير من التساؤلات حول مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية. وسيؤدي بدء إسرائيل بتنفيذ مشروعها، إلى تقويض الوجود السياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية؛ علماً أننا نعتبر أن وجود هذه المؤسسة إنجازاً وطنياً وخطوة على طريق تأسيس الدولة، والذراع التنفيذي المرحلي والمؤقت لمنظمة التحرير في الأراضي الفلسطينية المحتلة. إلا أن إسرائيل تتلطى بها كذريعة وشماعة لمنع قيام الدولة الفلسطينية، بعدما عملت طوال سنين الإحتلال على ربط المصالح الفلسطينية وتشابكها مع مصالح الإسرائيليين. ويبدو ذلك واضحاً من خلال: تصاريح المرور عبر الحواجز الإسرائيلية والدخول للمدن، والتحكم بالسفر إلى الخارج عبر المعابر الحدودية، أو تصاريح البضائع، أو حتى تصاريح العلاج، وكذلك المياه والكهرباء إلخ...، فكل ذلك لا بد من أن يمر عبر الإسرائيليين ومرتبطاً بهم.
وتبعاً لتحلل منظمة التحرير من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، فإن هذا الأمر سيقود إلى التغيّر الوظيفي للسلطة مع الحفاظ على كافة مؤسساتها، التي استغرقت تأسيسها سنوات طويلة وجهود جبارة على أمل التوصل لاتفاق حل الدولتين، الأمر الذي سيدفع دولة الإحتلال والإدارة الأمريكية إلى شنّ حرباً اقتصادية ومالية كبيرة عليها بهدف إضعافها أو إسقاطها، في الوقت الذي تعلن فيه دولة الإحتلال أنها ليست مستعدة لضم المواطنين الفلسطينيين أو تحمّل مسؤولياتهم في حال إسقاط السلطة، وتحمل تبعات هذه الخطوة بصفتها دولة محتلة.
تتناول هذه الدراسة المختصرة محاولة المساهمة في العصف الذهني الدائر، بشأن: ما هو مصير السلطة الفلسطينية بعدما تحللنا من الاتفاقيات؟ وما هو إطار وشكل وظائفها وعلاقاتها بالمنظمة والدولة؟ وهل الرد سيكون بإعادة طرح فكرة العمل على تجسيد الدولة وبسط سيادتها على إقليمها المحتل، والإنتقال من السلطة إلى الدولة تحت الإحتلال؟ وما هي وسائل وطرق تحقيق ذلك؟ وما هي المقتضيات القانونية والإجرائية[1] اللازمة لذلك؟
قرار المجلسين بالانتقال من السلطة إلى الدولة
في بيانه ليلة 19 أيار/ مايو 2020، أعلن رئيس دولة فلسطين محمود عباس، أن منظمة التحرير ودولة فلسطين قد أصبحتا في حل من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها، بما فيها الأمنية. وأضاف الرئيس أن: على سلطة الاحتلال ابتداء من الآن، أن تتحمل جمع المسؤوليات والالتزامات أمام المجتمع الدولي كقوة احتلال في أرض دولة فلسطين المحتلة، وبكل ما يترتب على ذلك من آثار وتبعات وتداعيات، استنادا إلى القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949. وطالب سيادته الدول التي لم تعترف بدولة فلسطين حتى الآن، الإسراع إلى الاعتراف بها لحماية السلام والشرعية الدولية والقانون الدولي، ولإنفاذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بتوفير الحماية الدولية لشعبنا في دولته المحتلة. وأضاف سيادته قرار استكمال التوقيع على طلبات انضمام دولة فلسطين إلى المنظمات والمعاهدات الدولية التي لم ننضم إليها حتى الآن.
وأكدت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتاريخ 27 أيار/ مايو 2020، في سياق بحثها في وضع الآليات المناسبة لتطبيق تلك القرارات، بأن إعادة بناء العلاقة مع إسرائيل يجب أن تكون على أساس العلاقة بين دولتين فلسطين وإسرائيل، والاعتراف المتبادل بينهما، بما يتطلبه ذلك من خطوات فك ارتباط على جميع المستويات السياسية والإدارية والأمنية والاقتصادية. وأضافت بأن الجانب الفلسطيني عزم على "البدأ بالخطوات العملية لتجسيد سيادة الدولة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم (67/19) في تشرين الثاني 2012، ونالت عضوية كل المؤسسات الإقليمية والدولية الممثلة للشعب الفلسطيني ولدولته الوطنية". وأكدت اللجنة التنفيذية بأن تلك "القرارات تشكل برنامج عملها للمرحلة القادمة، كخطوات عملية للإنفكاك عن الإحتلال والإنتقال من السلطة إلى الدولة، تنفيذاً لقرارات المجلس الوطني في دورته الأخيرة والمجلس المركزي الذي تبعه، وبناءً على إعتبار أن المرحلة الإنتقالية منتهية". وشددت اللجنة التنفيذية "على وضع آليات لتنفيذ الانتقال من السلطة إلى الدولة، وفقا لتلك القرارات، والاستمرار في بناء وتطوير مؤسسات الدولة استناداً إلى إعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988 وقرار الأمم المتحدة 67/19 لعام 2012".
وقد جاء القرار الذي إتخذته القيادة الفلسطينية، بعد أن تجاوزت حكومة الاحتلال كل الخطوط الحمراء بإعلانها الصريح عن مخططاتها لفرض السيادة على أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، مدعومة بـالضوء الأخضر الأميركي، الذي مهّد الطريق أمامها للمضي قدما في مخططاتها الاستيطانية الاستعمارية، لتدمّر ما تبقى من فرص ضئيلة لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، المستند إلى حل الدولتين. وقد دأبت دولة الإحتلال على إتباع أساليب الإلزام وليس الالتزام بالاتفاقيات، في حين تمسك الطرف الفلسطيني بهذه الاتفاقيات وألزم نفسه بها بشكل دقيق. ويأتي إعلان التحلل من هذه القيود أو الاتفاقيات كخطوة في غاية الأهمية والشجاعة، حيث نصت "أن منظمة التحرير الفلسطينية، ودولة فلسطين قد أصبحتا في حل من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة عليهما، بما فيها الأمنية".
ويأتي تطبيق هذا القرار، بعد نحو عامين من الإعلان عن قرارات المجلسين الوطني والمركزي، ويمكن إعتباره تطبيقاً عملياً للقرارات التي إتخذها المجلس الوطني الفلسطيني وتوصيات اللجنة التنفيذية للمنظمة والتي أقرها المجلس المركزي في دورته التاسعة والعشرين، بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها. وجاءت هذه القرارات بعد أن استنفدت القيادة الفلسطينية كل محاولة ممكنة للإبقاء على التزامها بتلك الاتفاقات، في ظل تنصل حكومة الاحتلال من التزاماتها، وتنفيذها لخطوات أحادية الجانب لتكريس احتلالها للأرض الفلسطينية، وبعد أن كشفت الإدارة الأميركية الانحياز الكامل والسافر لإسرائيل، بإعلانها عن "صفقة ترمب" في شهر كانون الثاني الماضي 2020، ليمهد الطريق أمام حكومة الاحتلال دق المسمار الأخير في نعش "حل الدولتين" وإمكانية إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، والتوجه نحو تكريس احتلاله لأجزاء من الأراضي من الضفة الغربية، لتشمل المستوطنات غير الشرعية والأغوار الفلسطينية التي تشكّل وحدها 28% من مساحة الضفة الغربية الإجمالية.
وبناءاً على ما تقدم، فإن جوهر التحلل من الإلتزامات الإتفاقية مع سلطات دولة الإحتلال والإدارة الأمريكية، يتمثل في الرد الواجب على إنتهاك وتنكر دولة الإحتلال وكذلك الإدارة الأمريكية لإلتزاماتهما بموجب الإتفاقيات الثنائية؛ وبالتالي إرجاع القضية الفلسطينية إلى أصلها بين شعبٍ تحت الاحتلال وبين قوة احتلال غاشمة سيطرت على أرضه وهجرت شعبه، مستنداً إلى حقوقه الطبيعية في أرضه وإقامة دولته المستقلة وذات السيادة الناجزة، وإلى ما منحه إياه القانون الدولي من استخدام كافة الوسائل الممكنة لاستعادة أرضه وتقرير مصيره وعودة لاجئيه، وعدم منح الاحتلال أي مشروعية على الأراضي المحتلة، وتحميله كامل المسؤولية الجزائية والمدنية.
أهمية القرارين 181 لعام 1947 و 67/ 19 لعام 2012
ولما كانت القيادة الفلسطينية تجري مراجعة لمسيرة التسوية التي أفشلتها إسرائيل، فإنها ستقود إلى إعادة موضوع القضية إلى أساسها المنشئ والناظم وفقاً للشرعية الدولية. ولعل ما قاله الرئيس مخاطباً مؤتمر باريس للمناخ، يشير إلى ما نذهب إليه من مؤشرات، إذ خاطب ذاك المؤتمر الحاشد بقوله: "يأتي إجتماعنا هذا اليوم مع مرور 68 عاماً على صدور القرار الأممي 181، القاضي بتقسيم فلسطين التاريخية، لنذكركم بمسؤولياتكم لتنفيذ هذا القرار"[2].
فقد قامت إسرائيل منذ بدء القضية بتعطيل الشق الفلسطيني من ذاك القرار، وهو أول اعتراف دولي لإنشاء الدولة الفلسطينية، بنصه على أن "تنشأ في فلسطين الدولتان المستقلتان العربية واليهودية"، وفرض القرار 181 وجود دولة عربية في فلسطين ذات حدود واضحة وبموجب خرائط تفصيلية أرفقت بهذا القرار. وتنكرت إسرائيل لتعهّدها بالعمل على تنفيذ القرارين 181 و194. واللذان قبلت إسرائيل بموجبه عضواً في الأمم المتحدة، وفقاً للقرار 273 في 11/5/1949 تضمن إشارة إلى هذا التعهُّد[3]. وأشار، إعلان الدولة عام 1988 إلى أن القرار 181/1947 على إعتبار أنه «ما زال يوفّر شروطًا للشرعية الدولية، تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والإستقلال الوطني".
ولعل التعنت الإسرائيلي بِشأن قيام الدولة الفلسطينية، يجافي ويتنكر ويطمس هذه الحقائق، الأمر الذي يتوجب أن يضعها أمام المساءلة القانونية الدولية المحجوبة عنها منذ قيامها، بموجب ميثاق الأمم المتحدة الذي جاء في الفصل الثاني منه المتعلق بالعضوية، أن هذه العضوية في المنظمة الدولية "مباحة لجميع الدول المحبة للسلام، والتي تأخذ نفسها بالالتزامات التي يتضمنها هذا الميثاق، والتي ترى الهيئة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات وراغبة فيها"، وأنه "يجوز للجمعية العامة أن توقف أي عضو اتخذ مجلس الأمن قبله عملاً من أعمال المنع أو القمع، عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها[..] وإذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق، جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناء على توصية مجلس الأمن".
وأنجزت منظمة التحرير إعترافات متتالية بحق شغبنا في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وناجزة السيادة الوطنية، وبلورة الشخصية القانونية لفلسطين على المستويات الإقليمية والدولية. واعتبارًا من 3 أغسطس 2018، اعترفت بدولة فلسطين 137 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وعددها 193 دولة ودولتين غير عضوين.
ويمثل القرار رقم 67/ 19 بتاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، الخاص بإقرار منح فلسطين مركز دولة غير عضو لها صفة المراقب في الأمم المتحدة، إنجازاً تاريخياً فيى المسعى الفلسطيني لتثبيت شخصية وكيانية دولة فلسطين.وتضمن القرار مضامين في غاية الأهمية، فقد أكدت ديباجته " أن الأمم المتحدة عليها مسؤولية دائمة إزاء قضية فلسطين إلى أن تحل القضية بجميع جوانبها على نحو مرض". وفي الفقرة الرابعة العاملة من ذات القرار "تؤكد عزمها على المساهمة في إعمال حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، والتوصل إلى تسوية سلمية في الشرق الأوسط تنهي الاحتلال الذي بدأ في عام 1967، وتحقق رؤية الدولتين المتمثلة في دولة فلسطين مستقلة ديمقراطية ذات سيادة تتوفر لها مقومات البقاء متصلة الأراضي". بينما أكدت الفقرة الخامسة العاملة من ذات القرار أن أية تسوية لقضية فلسطين يجب أن تكون" على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالموضوع ومرجعية مؤتمر مدريد، بما فيها مبدأ الأرض مقابل السلام، ومبادرة السلام العربية وخريطة الطريق التي وضعتها المجموعة الرباعية لإيجاد حل دائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس وجود دولتين، من أجل تحقيق تسوية سلمية عادلة دائمة شاملة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تفضي إلى حل كافة القضايا الأساسية التي لم تحل بعد، أي قضايا اللاجئين الفلسطينيين والقدس والمستوطنات والحدود والأمن والمياه".
السلطة لم تعد قائمة
نشأت السلطة الوطنية بقرار من منظمة التحرير بموجب قرار المجلس المركزي[4] في دورته التي انعقدت في تونس بتاريخ 10- 12/10/1993، وقرر تكليف اللجنة التنفيذية بتشكيل مجلس السلطة من عدد من أعضائها، وعدد من الداخل والخارج، وأن يترأسها رئيس اللجنة التنفيذية آنذاك ياسر عرفات[5]. وأصدر الرئيس عباس مرسومين[6] رئاسيين (2، 3) في العام 2013 بتغيير صفته من رئيس سلطة إلى رئيس دولة فلسطين، مع الاحتفاظ برئاسة اللجنة التنفيذية للمنظمة، أي أنه فقط استغنى عن مسمى رئاسة السلطة الوطنية، في المخاطبات الرسمية، وقد جاء هذا الأمر موافقًا لقرار المجلس المركزي الذي عينه بهذه الصفة. وقد تبنى المجلس المركزي في 5 آذار/ مارس 2015 إسترتيجية فك الإرتباط بإتفاق أوسلو، وبروتوكول باريس، لصالح برنامج المقاومة في الميدان وفي المحافل الدولية بما فيها الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية. وهي الإستراتيجية التي أعيد التأكيد عليها في دورة المجلس المركزي في 15كانون الثاني/ يناير 2018، وأعيد التأكيد عليها مجدداً في المجلس الوطني في 30نيسان/ أبريل 2018.
وعقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته العادية الثالثة والعشرين، ما بين 30 نيسان ولغاية 3 أيار 2018، وأكد في بيانة الختامي تحت البند الثاني:" أن الهدف المباشر هو استقلال دولة فلسطين، ما يتطلب الانتقال من مرحلة سلطة الحكم الذاتي إلى مرحلة الدولة التي تناضل من اجل استقلالها، وبدء تجسيد سيادة دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967، وذلك تنفيذاً لقرارات المجالس الوطنية السابقة، بما فيها إعلان الاستقلال عام 1988، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما فيها قرار الجمعية العامة 19/67 بتاريخ 29/11/2012 باعتباره الأساس السياسي والقانوني للتعاطي مع الواقع القائم ". و"يدعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته، على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، من أجل إنهاء الاحتلال وتمكين دولة فلسطين من انجاز استقلالها وممارسة سيادتها الكاملة"[7].
وقرر المجلس المركزي الفلسطيني في دورته العادية التاسعة والعشرين من 15-17/آب/2018، أن "الهدف المباشر هو استقلال دولة فلسطين، ما يتطلب الانتقال من مرحلة سلطة الحكم الذاتي إلى مرحلة الدولة التي نناضل من أجل استقلالها، وبدء تجسيد سيادة دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967، وذلك تنفيذا لقرارات المجالس الوطنية السابقة، بما فيها إعلان الاستقلال عام 1988، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما فيها قرار الجمعية العامة 19/67 بتاريخ 29/11/2012 باعتباره الأساس السياسي والقانوني للتعاطي مع الواقع القائم"[8].
وأصدر المجلس المركزي في دورته المنعقدة برام الله بتاريخ 28-29/10/2018، قرارًا يؤكد "الانتقال من مرحلة سلطة الحكم الذاتي إلى مرحلة تجسيد الدولة". وجاء أخيراً قرار القيادة الفلسطينية بالتحلل من الإتفاقيات مع إسرائيل والإدارة الأمريكية أيضاً.
خطوات لتجسيد الدولة
وفي إطار تجسيد قرار منح فلسطين مكانة الدولة، صدر مرسوم الرئيس عباس في 3 كانون ثاني من العام 2013، بنصه: "بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي برفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقب في الأمم المتحدة ب[..] يتم التعديل في الأوراق الرسمية والأختام واليافطات والمعاملات الخاصة بمؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية الرسمية والوطنية، باستبدال اسم 'السلطة الوطنية الفلسطينية' حيثما يرد باسم 'دولة فلسطين'، واعتماد شعار دولة فلسطين فيها، وتكلف الجهات المعنية بمتابعة تطبيق هذا المرسوم، مع مراعاة مقتضيات الاستخدام"[9].
وأعلن الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس في 21 كانون الأوّل/ ديسمبر من عام 2015، أنّ وزارة الداخلية الفلسطينيّة ستصدر جوازات سفر جديدة باسم "دولة فلسطين" خلال عام أو أقلّ، وتمّ الإنتهاء من تغيير الوثائق والأوراق الصادرة عن الوزارات والدوائر الرسميّة لكلمة "دولة فلسطين". وكان ملفتاً أنّ الردّ الفعل الأوّل على إعلان الرئيس محمود عبّاس جاء من واشنطن، حيث قال النّاطق باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة جون كيربي في 22 كانون الأوّل/ ديسمبر:"إذا أقدمت السلطة الفلسطينيّة على تغيير جواز السفر ليصبح مسماه دولة فلسطين، فإنّ الولايات المتّحدة لن تمنح تأشيرات لحامليه، لأنها لا تعترف بالدولة الفلسطينية". وحاولت فلسطين إصدار جواز السفر "البيومتري" حسب المواصفات العالمية الذي يعتمد على بصمة العين، ويتضمن شريطا ممغنطا أسود، يظهر معلومات مفصلة عن حامله فور تمرير الجواز على الحاسوب في المطارات، الأمر الذي يساهم في تقليل وقت الانتظار، وتسهيل حركة المسافرين في المطارات العالمية، وجاء تعميم هذا النوع من جوازات السفر بطلب من منظمة الطيران المدني الدولي لأسباب أمنية متعلقة بالحد من الجريمة والتزوير. وقد قدمت فرنسا قبل عامين ونصف منحة للسلطة الفلسطينية لتغطية إصدار هذا النوع من جوازات السفر، وقد جرى شحن المعدات الخاصة لإصداره في أيار/ مايو 2019 عبر ميناء أسدود، ولكن الجانب الإسرائيلي رفض إدخال هذه المعدات للأراضي الفلسطينية.
وأصدرت السلطة الفلسطينية قراراً بتاريخ 6 كانون الثاني/ يناير 2013، بالبدء بإصدار جوازات سفر وبطاقات هوية ورخص للمركبات وطوابع بريد تحمل اسم دولة فلسطين. ويشمل القرار الرئاسي الذي كُلف به مجلس الوزراء في فترة أقصاها شهرين إجراء "تعديلات على القوانين والنظم النافذة وإعداد نماذج مقترحة، لكل من جواز السفر، وبطاقة الهوية، والرقم الوطني، ومستندات تسجيل السكان والأحوال الشخصية، ورخص المركبات والقيادة وطوابع الإيرادات بأنواعها لدولة فلسطين". ونص القرار على أن "يتم إعداد نظام خاص بالرقم الوطني بكل فلسطيني حيثما وجد، وذلك بهدف إستخدامه في التعريف بجنسيته ولتضمينه في وثائق التعريف الرسمية ولأغراض الإحصاء الوطني". وصدر مؤخراً قرار بعدم تزويد الإسرئيليين بوقائع السجل المدني.
ولعل المتمعن بالإجراءات التي إتبعتها القيادة الفلسطينية، منذ العام 2013 تشير إلى وجود خطوات متدرجة ومتحسبة للإنتقال من السلطة إلى الدولة، حيث أن تلك السلطة لم تعد قائمة بالمعنى الرسمي للكلمة، ومراسيم الرئيس صريحة وواضحة بشأن ذلك.
استخلاف السلطة بالدولة بمرجعية منظمة التحرير
إن أحد أبرز المقتضيات القانونية الدولية لما بعد رفع التمثيل الدولي لفلسطين، تتمثل في وجوب إعمال مبدأ الاستخلاف في القانون الدولي. وتقوم نظرية الاستخلاف في القانون الدولي على حقيقة أن "دولة تكف عن أن تمارس اختصاصات داخل إقليم بعينه، وتحل أخرى محلها".وقد أكدت معاهدة فينا لعام 1978 في شأن أثر الاستخلاف الدولي على المعاهدات، أنّ الاستخلاف الدولي يعني من بين ما يعنيه "حلول دولة محل أخرى في المسؤولية عن العلاقات الدولية الخاصة بإقليم بعينه"، واعتمدت المعاهدة في شأن الدول حديثة النشأة والاستقلال، مبدأ حرية تقرير مصير المعاهدات والاتفاقيات التي سبقت استقلالها وتتعلق بإقليمها، وفقاً لما تراه مناسباً لها، "التحلل من معاهدات السلف أو أن تلتزم بها".
وحسناً فعلت قرارات المجلس الوطني الفلسطيني ودورات المجلس المركزي، بإعلان أن المرحلة الانتقالية منتهية، التي تعني بمكوناتها المجلس التشريعي ورئيس سلطة وحكومة، للإتنتقال من السلطة إلى الدولة إستناداً للقرار الدولي لسنة 2012 والذي تضمن نص على أن المجلس الوطني هو برلمان الدولة، والرئيس هو رئيس دولة فلسطين، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية هي الحكومة المؤقتة للدولة تحت الإحتلال. فقد نص القرار رقم 67/ 19 بتاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012الخاص بإقرار منح فلسطين مركز دولة غير عضو لها صفة المراقب في الأمم المتحدة في ديباجته، نصاً بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة "وإذ تضع في اعتبارها أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أنيطت بها، وفقا لقرار للمجلس الوطني الفلسطيني، سلطات ومسؤوليات الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين". ويتطلب هذا تسوية مسألة حكومة السلطة الوطنية، بإصدار مرسوم رئاسيي بقانون يقضي بتسمية رئيس الحكومة في اللجنة التنفيذية بصفته الإعتبارية، وإعتباره مخولاً من اللجنة التنفيذية بإدارة الحكومة المؤقتة. وقد يكون من الضروري أن يشمل المرسوم بداية النص على أن تؤول كافة صلاحيات ومسؤوليات السلطة الوطنية الفلسطينية إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. ويتوجب النص في المرسوم بقانون، على أن تؤول كافة وزارات وهيئات ومؤسسات السلطة ومرافقها ودوائرها إلى منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة بالحكومة الفلسطينية المؤقتة. وقد يذهب المجلس المركزي إلى حد تشكيل مجلس انتقالي بهدف إدارة أراضي الدولة الفلسطينية بشكل مؤقت، وهذا المجلس المؤقت يقوم بالتحضير لانتخابات عامة. وقد يكون من الواجب، أن يقرر المجلس المركزي تفعيل العمل على تشكيل جمعية تأسيسية لتُعد وتضع إعلان دستوري لمرحلة الإنتقال من السلطة إلى الدولة، وإتمام إعداد مشروع دستور دولة فلسطين بشكله النهائي، ليصار من ثم إلى إحالته للنقاش العام وللاستفتاء الشعبي.
ويتطلب الانتقال من مرحلة سلطة الحكم الذاتي إلى مرحلة الدولة تحت الإحتلال، البدء بإعتبار فلسطين دولة تحت الإحتلال، وتحشيد العالم لحمايتها، وإزالة الإحتلال بإعتباره العائق الأساس أمام تجسيد الدولة وبسط سيادتها، على دولة فلسطين. ويقتضي ذلك، تغيير وظائف السلطة كونها أنشئت كذراع للمنظمة من أجل نقل الشعب الفلسطيني من الحكم الذاتي إلى الاستقلال،وانتقال السلطة إلى دولة، بما يشمل تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل، إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو عام 1967، والانفكاك الاقتصادي، على اعتبار أن المرحلة الانتقالية، بما فيها اتفاق باريس، لم تعد قائمة. وعلى أساس تحديد ركائز وخطوات عملية للبدء في عملية الانتقال من مرحلة السلطة إلى تجسيد استقلال الدولة ذات السيادة.
يقودنا هذا إلى البحث في تحديد العلاقة بين كياني السلطة ومنظمة التحرير، وتالياً البحث في مستقبل المنظمة، وأظهرت التجربة خطورة التماهي بين المنظمة والسلطة، لأن هذا التماهي قد أضعف مكانة المنظمة وهمّش من دورها، وحمّل كيان السلطة مهمات أكبر من قدرتها.وعليه، ينبغي توضيح وترشيد مكانة السلطة، واستنهاض
مكانة منظمة التحرير، باعتبارها الكيان السياسي الجامع لكل الفلسطينيين في الداخل والخارج، والمعبّر عن قضيتهم، والممثل الشرعي الوحيد لهم، لا سيما أن الدولة الفلسطينية لم تصبح واقعاً ملموساً بعد. كما يعني ذلك ضرورة الحفاظ على منظمة التحرير، باعتبارها كيان حركة التحرر الوطني للفلسطينيين، وهي التي تتحمل مسؤولية إدارة الصراع السياسي ضد إسرائيل بمختلف أشكاله.
على أنه من الضروري إعتبار السلطة إنجاز ينبغي البناء عليه، لا تصريفه بطريقة خاطئة، وهذا يعني أن البناء على ما جرى في الأمم المتحدة يفترض إعادة تعريف الكيان الفلسطيني المتمثل بالسلطة ومسؤولياتها وضبط تبعيتها ومرجعيتها لمنظمة التحرير الفلسطينية، بما يشمل حصر مهمتها في إدارة أوضاع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، والتعبير عنهم، وتأمين الخدمات لهم من مختلف النواحي، وتعزيز مقومات صمودهم بمختلف الأشكال. بمعنى آخر فإن هذا الوضع الجديد قد أنهى الوظائف الأمنية والتفاوضية والسياسية للسلطة.
وفي هذا السياق، قال الرئيس عباس، في كلمته خلال اجتماع القيادة الطارئ في مقر الرئاسة بمدينة رام الله، ردا على إعلان صفقة القرن: "سنبدأ فوراً بإتخاذ كل الإجراءات التي تتطلب تغيير الدور الوظيفي للسلطة الوطنية، تنفيذاً لقرارات المجلسين المركزي والوطني". في حين أكد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، أن تنفيذ قرارات المجلسين المركزي والوطني الفلسطينيين، بشأن انتهاء المرحلة الانتقالية للسلطة الفلسطينية، يحتاج إلى تنسيق مع الإقليم، مُشيرا إلى أنّ الرئيس أكد أن الدور الوظيفي للسلطة سينتهي، "وقد بدأت بالفعل بتجسيد الدولة على حدود الرابع من حزيران/ يونيو لعام 1967". وذكر د.عريقات: " لكن لا يمكن أن يأتي التنفيذ بعد 48 ساعة، فنحن جزء من منظومة دولية وجزء من إقليم، وأي قرار سيؤثر على الآخرين وهو بحاجة لتنسيق مسبق".
نحو تولي الأمم المتحدة دور الدولة الحامية
حتى بعد القرار الفلسطيني بالتحلل من الإلتزامات من الإتفاقيات مع الدولة القائمة بالإحتلال، فإن واجبات سلطات الإحتلال الإسرائيلي تجاه دولة فلسطين تحت الإحتلال، تبقى قائمة بموجب مبادئ وقواعد وأحكام الإتفاقيات والمعاهدات الدولية الناظمة في القانون الدولي الإنساني. ويرتكز قانون الاحتلال على مجموعة من المبادئ الأساسية المنبثقة من القواعد والأحكام العرفية والاتفاقيـة، التي تهدف لتحقيق الغاية الإنسانية من خلال توفير الحماية لسكان الأراضي المحتلة، مـن خـلال المبـادئ والأحكام التي تحدد التزامات دولة الاحتلال والمنصوص عليها بموجب اتفاقية لاهاي لعام 1907 في المواد 42 - 56 ، واتفاقية جنيف الرابعة في المواد 27-34 و47-78، (والبرتوكول الإضافي الأول لاتفاقيـات جنيـف الأربعة، حيث حددت واجبات والتزامات سلطة الاحتلال. أما الاتفاقات التي تعقدها القوة المحتلة مع السلطات المحلية، فلا يمكن أن تحرم سكان الأراضي المحتلة مـن الحماية التي يمنحها القانون الدولي الإنساني كما نصت المادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة، ولا يجـوز للأشـخاص المحميين أنفسهم التنازل عن حقوقهم كما نصت المادة 8 من الاتفاقية الرابعة.
وفي سياق السعي الفلسطيني الدؤوب عن حماية دولية،رفض مجلس الأمن الدولي مشروع قرار عربي يطالب بتوفير حماية دولية للفلسطينيين، في الأول من حزيران/ يونيو 2018، بعدما استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض/ الفيتو ضد القرار. وما كان من الجانب العربي والفلسطيني إلا بتحويل الطلب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أقرت القرار رقم A/Es-10/L.23 بتاريخ 11حزيران 2018، بشأن توفير الحماية الدولية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وهو ذات المشروع الذي كانت الولايات المتحدة قد استخدمت حق النقص "الفيتو" ضده في مجلس الأمن الدولي. وحصل على موافقة 120 دولة مقابل اعتراض 8 دول وامتناع 45 دولة عن التصويت. وتطبيقاً لقرار الحماية الدولية عرض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في أواسط آب/ أغسطس 2018، أربعة مقترحات تهدف إلى حماية الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وتشمل تعزيز الوجود الميداني للأمم المتحدة ورفدها بمراقبين لحقوق الإنسان، وآخرين للشؤون السياسية مكلّفين بتقييم الأوضاع في الأراضي المحتلة؛ وتشكيل بعثة مراقبة مدنية تنتشر في مناطق حساسة، مثل نقاط التفتيش والمعابر وقرب المستوطنات الإسرائيلية، تكون مهمتها إعداد التقارير عن مسائل الحماية؛ ونشر شرطة أو قوة عسكرية بتفويض من الأمم المتحدة، تكون مهمتها توفير الحماية المادية للمدنيين الفلسطينيين.
وإن كان ذاك القرار بالحماية للشعب الفلسطيني وتقرير ومقترحات الأمين العام بذات الشأن، قد بقيت بلا تنفيذ فعلي، فإن اللحظة السياسية والظروف التي ترتبت على قرار التحلل من إلإلتزامات الإتفاقية، يمكن أن تكون الفرصة المؤاتية لطلب تفعيل كل من قرار الحماية الدولية وتقرير الأمين العام بشأن آليات إنفاذه.
ويتوجب التنويه إلى أن الفقرة السادسة العاملة في القرار رقم 67/ 19 بتاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 تستوجب التوقف، بنصها على " تحث جميع الدول والوكالات المتخصصة ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة على مواصلة دعم الشعب الفلسطيني، ومساعدته على نيل حقه في تقرير المصير والاستقلال والحرية في أقرب وقت". وينطوي هذا النص على أهمية إستثنائية بعد القرار الفلسطيني بالتحلل من الإلتزامات الإتفاقية مع كل من دولة الإحتلال والإدارة الأمريكية، لكون أن جميع الدول والوكالات المتخصصة ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة، قد فوضَت من قبل منظمة الأمم المتحدة ب "مواصلة دعم الشعب الفلسطيني ومساعدته على نيل حقه في تقرير المصير والاستقلال والحرية في أقرب وقت". وعليه، وفي واقع أن كافة العلاقات بين دولة فلسطين وسلطات دولة الإحتلال باتت مقطوعة بالكامل، فإن من الممكن بل يتوجب العمل من أجل تفعيل أدوار ومهام وصلاحيات الوكالات المتخصصة ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة المتواجدة في أراضي الدولة الفلسطينية، وجعل كل منها في حقل إختصاصاتها، أن تقوم بتنسيق وإدارة العلاقات كافة ما بين دولة فلسطين وسلطات دولة الإحتلال، لحماية المواطنين الفلسطينيين، وتيسير سبل الحصول على إحتياجاتهم الحياتية الأساسية، حتى بما في ذلك إستلام أموال المقاصة من الطرف الإسرائيلي، وتسليمها للحكومة الفلسطينية.
ويمكن أن يقود ذلك إلى أن تصبح الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة إضافة إلى منظمة الصليب الأحمر، هي بمثابة الدولة الحامية بموجب القانون الدولي الإنساني. وتعرف الدولة الحامية على أنها الدولة التي تقوم، بموافقة طرفي النزاع أو أطراف النزاع، برعاية مصالحهم والإشراف على تطبيق اتفاقيات جنيف الأربعة. ونصت على تلك القواعد والأحكام بشأن الدولة الحامية: المواد من الثامنة إلى العاشرة على التوالي في الاتفاقيات الأولى والثانية والثالثة، والمواد من التاسعة إلى الحادي عشر في اتفاقية جنيف الرابعة.
إمتلاك فلسطين لأواق القوة الناعمة
إن إنضمام دولة فلسطين إلى الإتفاقيات والمعاهدات الدولية يكسبها الكثير من أوراق القوة الناعمة، وخاصة الإنضمام إلى بروتوكول روما الخاص بمحكمة الجنايات الدولية. ففي الثاني من كانون الثاني/ يناير 2015، أودعت دولة فلسطين صك إنضمامها إلى المحكمة وإنضمت إلى نظام روما الأساسي. وفي بيان المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودة في كانون الأول/ ديسمبر 2019 ، قالت:"اليوم ، أعلن أنه بعد إجراء تقييم شامل ومستقل وموضوعي لجميع المعلومات الموثوقة المتاحة لمكتبي، انتهى الفحص الأولي في الوضع في فلسطين بتصميم أن جميع المعايير القانونية بموجب نظام روما الأساسي لفتح تحقيق تم استيفاؤها [..] أنا مرتاحة لوجود أساس معقول للشروع في التحقيق في الوضع في فلسطين".
وبالإضافة إلى محكمة الجنايات الدولية التي تمثل سيف يكاد يقترب من رقاب المستوطنين والمجرمين الإسرائيليين، لدينا إمكانية طرق جميع الأبواب القانونية والديبلوماسية على الصعيد الدولي، من أجل الإستمرار بتدويل القضية الفلسطينية من جديد وإعادتها إلى أروقة الأمم المتحدة لتجبرها على التدخل من جديد، من خلال العمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة وكاملة العضوية على الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، وتفعيل المبدأ العالمي للولاية القضائية، ومقاومة كافة أشكال التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتبني وتوسيع حملة المقاطعة BDS، لمحاسبة وعزل ومقاطعة دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وقد أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع الأمم المتحدة، بتاريخ 12 شباط/ فبراير 2020، "قائمة سوداء" بأسماء 112 شركة تمارس أنشطة تجارية في المستوطنات الإسرائيلية، وتعد مخالفة للقانون الدولي.ونشر القائمة يشكل ضربة قوية لإسرائيل، وتشكل القائمة السوداء ضغطا اقتصاديا على الشركات الدولية – من الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، هولندا، لوكسمبورغ وتايلاند، التي بعضها قد توقف نشاطها بمبادرة ذاتية، ليس في المناطق المحتلة فقط وإنما في إسرائيل أيضا.
وسيؤدي مخطط فرض السيادة إلى عقوبات اقتصادية من قبل الاتحاد الأوروبي، كما سرب سفراء أوروبا في إسرائيل، بأن خطوة الضم ستخلق مصاعب أمام مشاركة إسرائيل في برنامج “أفق 2020” (هوريزون 2020) الأوروبي للتطوير العلمي، مما سيحرم إسرائيل من نحو 800 مليون يورو لأكثر من 1000 مشروع إسرائيلي خلال السنوات الأخيرة.
واعتمد مجلس حقوق الإنسان بتاريخ 19 حزيران/ يونيو 2020، قرار فلسطين حول المساءلة وضمانها وإحقاق العدالة، والذي تضمن تدابير المساءلة والتدابير القانونية التي يتعين على الدول اتخاذها، لضمان احترام إسرائيل وجميع الأطراف الأخرى ذات الصلة التزاماتها بموجب القانون الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. وبات هذا المجلس الذي إنسحب منه كل من إسرائيل والإدارة الأمريكية يشكل هاجساً لهما ، كونه يمثل إرادة دول العالم التي دأبت على إدانة الإنتهاكات الجسيمة وجرائم سلطات الاحتلال.
ويتوجب الإستمرار في المطالبة بتطبيق مبادئ وقواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، والتي من واجب كافة دول منظومة العلاقات الدولية المنضوية في إطار منظمة الأمم المتحدة، حماية تلك المبادئ والقواعد الناظمة للأمم المعاصرة، بإعتبار أن لجميع الدول مصلحة في حمايتها، فهي التزامات من قبل الكافة orgaomnes. ولقد "ارتكبت إسرائيل انتهاكات خطيرة لقواعد القانون الدولي القطعية، التي تفرض التزامات من قبل الكافة[10]". وعلى الدول " قاطبة واجب التعاون لفرض وضمان إلزام إسرائيل بهذه المبادئ والقواعد"، وهو الأمر الذي أكدت عليه محكمة العدل الدولية في رأيها الإستشاري بشأن جدار الضم[11].
ولعل أبرز ملامح هكذا سعي يتمثل في توسيع شبكة الاشتباك القانوني والسياسي، والذي باتت إسرائيل تعتبره بمثابة إرهاب سياسي ونزع الشرعية عن دولة الاحتلال، ويعتبر تفعيلاً لأحد الشروط التكميلية لإظهار التنظيم السياسي الفلسطيني المطالب بتجسيد الدولة وبسط السيادة الوطنية على دولة فلسطين. ويرى الفقه القانوني الدولي المعاصر بأنه "يمكن في حالة الاستعمار والاحتلال، أن يستعاض عن السيادة والسيطرة على الإقليم، بفعالية حركة التحرير"[12]. وبهذا فإن توسيع أطر وأشكال النضال الوطني الفلسطيني بأشكاله المشروعة، يعزز من تطوير مفهوم الفعالية لدولة فلسطين والذي "مؤداه أن فعاليتها لا تتمثل في سيطرتها الفعالة على الإقليم بالضرورة، وإنما يكتفى منها أن تكون سعياً فعالاً إلى استخلاص الإقليم من سيطرة المحتل أو المستعمِر"[13].
وأخيراً، إن انتقال فلسطين من سلطة إلى دولة، سينقلنا وبالضرورة إلى مرحلة محاصرة ودحر الإحتلال، وتجسيد الدولة وبسط السيادة، ويفتح أمام النضال الوطني الفلسطيني أبواباً جديدة لمحاصرة إسرائيل وممارساتها، وزيادة الضغط عليها، وتفعيل قرارات الشرعية الدولية بشأن الإعتراف بالدولة الفلسطينية غير العضو وكذلك الحماية الدولية لشعبنا بشكل أفضل، وهو خطوة رئيسية على طريق اكتساب العضوية الكاملة، واتخاذ إجراءات عملية بهذا الشأن. وإن اعتبار دولة فلسطين دوله تحت الاحتلال، من شانه أن يضع حكومة الاحتلال في مأزق، ويحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته تجاه الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال، بعد اكتساب فلسطين للشرعية الدولية والاعتراف بحدود دولة فلسطين بحسب ما عرفتها الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتقتضي كل تلك الإستحقاقات الارتقاء بحالة التماسك ووحدة القيادة، للحيلولة دون أي فراغ قيادي يؤدي للفوضى ، ومنع محاولات إيجاد البدائل، وحماية الكيان السياسي الفلسطيني ومنع تقسيمه إلى بانتوستات ومعازل، وإحباط مشروع فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية ، ومنع قيام " دويلة غزة " كبديل عن الدولة الفلسطينية، والعمل جدياً نحو تطوير كافة أشكال المقاومة الشعبية، والانتقال بها لحركة شعبية واسعة تحشد فيها إمكانات وطاقات الشعب للمواجهة مع الاحتلال وإسقاط مشاريعه التصفوية، وكسر الأمر الواقع المفروض من المحتل ومصادرة حقوقنا وانتهاكه لجميع إلتزاماته القانونية الدولية، وإشراك الرأي العام الفلسطيني بأشكال متعددة من خلال التواصل وبناء الثقة وتعزيز الصمود لضمان التطبيق الكامل للخطة .
المراجع:
[1] د. كمال قبعه، مقتضيات قانونية لما بعد دولة فلسطين المراقبة غير العضو، مجلة شؤون فلسطينية، العدد 251، شباط 2013، ص 29- 69.
[2]جريدة الأيام 1 كانون الأول 2015.
[3] قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين، ج 1 ص21
[4] تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وكالة وفا. bit.ly/2Tnmj2z
[5] ممدوح نوفل، إشكالية العلاقة بين السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وسبل حلها، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 6، العدد 22، ربيع 1995، ص 52.
<p dir="RTL" style="margin:0cm 0cm 0.0001pt; text-align:right; direction:rtl; unicode-bidi:embed; font-size:10pt; font-family:Calibri,sans-serif; margin-right:0cm; margin-left:0cm; font-size:12pt; font-family:"Times New Roma